سورية وفرص التدخل العسكري
18 مارس, 2012
مقالات, ملفات خاصة
كتب عبد الباري عطوان / أربعة مواقف مهمة طفت على السطح يوم امس تتعلق بتطورات الوضع السوري تستحق التوقف عندها لكل من يريد استقراء ما يمكن ان يحدث في المستقبلين: البعيد والقريب، وهي مواقف ستصيب الشعب السوري، او القطاع الثائر منه بالاحباط مع بدء دخول انتفاضته ضد النظام عامها الثاني:
الاول: حض ليون بانيتا وزير الدفاع الامريكي الداعين الى توجيه ضربة عسكرية الى سورية على التفكير في العواقب المترتبة على ذلك، وان افضل عمل يمكن القيام به هو الحفاظ على الضغط الدولي على النظام السوري. وقال في مقابلة مع قناة ‘الحرة’ ان لسورية منظومة دفاع جوي قوية علينا تدميرها ولكنها منتشرة داخل احياء سكنية، وتدميرها سيسفر عن خسائر كبيرة.
الغريب ان تصريحات وزير الدفاع الامريكي هذه جاءت وكأنها رد على تظاهر عشرات الآلاف من المحتجين، ومطالبتهم بأن تكون ‘جمعة امس’ جمعة ‘التدخل العسكري الفوري’.
الثاني: تحذير السيد كوفي عنان مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية الى سورية من اي سوء تقدير للموقف، مما قد يؤدي لتصعيد سيكون من الصعب السيطرة عليه، واعادته التأكيد على الحل السياسي للأزمة، مما يوحي انه يرد بشكل مباشر على المطالبات بتسليح المعارضة السورية.
الثالث: تأكيد المستر ميخائيل بوجدانوف المبعوث الروسي الى الشرق الاوسط ونائب وزير الخارجية، ان التصريحات التي تصدر من دول عربية وغربية بأن الحكم في سورية غير شرعي، وان الرئيس بشار الاسد يجب ان يرحل من الحكم، هي تصريحات غير بناءة، لانها تبعث اشارات خاطئة الى المعارضة بأنه ليس هناك منطق في بدء الحوار. وزاد الكسندر لافيتيش المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية ‘الطين بلة’ عندما قال ان معارضة روسيا للتدخل في سورية وللضغوط الخارجية لتنحي الاسد ما زالت ثابتة، ومشددا ان بلاده لن تكون من الدول التي تتدخل في شؤون الآخرين، وتحاول تغيير الانظمة وفقا لرغباتها، او تعليم الشعوب الاخرى كيف تبني مستقبلها.
الرابع: تصريحات الفريق ضاحي خلفان تميم رئيس شرطة دبي التي اعرب فيها عن مخاوفه من تولي حركة الاخوان المسلمين الحكم في سورية في حال سقوط النظام، وهو موقف يعكس المزاج العام لمعظم حكام الخليج العربي المعارض لتغيير الانظمة في دول الربيع العربي، وخاصة في مصر وتونس، وترسيخ ديمقراطيات ادت الى وصول الاسلاميين الى السلطة عبر صناديق الاقتراع في انتخابات حرة نزيهة.
‘ ‘ ‘
القاسم المشترك في المواقف الاربعة هذه انها تصب في مصلحة بقاء النظام السوري، ومعارضة التدخل العسكري، وضرورة اللجوء الى حل سياسي للأزمة الراهنة في سورية، الامر الذي يشكل انقلابا في صفوف دول وقوى كان من المفترض ان ترسل قواتها (ما عدا روسيا) لإسقاط النظام في دمشق، على غرار ما فعلت في كل من ليبيا والعراق وافغانستان، لنصرة مطالب الشعوب في التغيير الديمقراطي ونشر الحريات، مثلما كانت تطرح من عناوين وشعارات.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة عن اسباب هذا التغيير المفاجئ وفي الموقف الامريكي خاصة. فواشنطن كانت تتوعد الرئيس السوري بالاطاحة، والرئيس باراك اوباما قال اكثر من مرة ان أيامه في السلطة باتت معدودة، فلماذا يلجأ وزير دفاعه بانيتا الى التحذير من عواقب التدخل العسكري بمثل هذا الوضوح؟
هناك احتمالان: الاول واقعي يمكن استخلاصه من قراءة منطلقات السياسة الخارجية الامريكية في المنطقة على مدى السنوات الستين الماضية، والثاني افتراض له علاقة بالمخططات الامريكية المتعلقة بالتعاطي مع ملف المنشآت النووية الايرانية.
بالنسبة الى الاحتمال الاول يمكن القول ان واشنطن لا تريد التدخل العسكري في سورية لأنه لا يوجد فيها نفط مثل العراق وليبيا، ولأنها يمكن ان تخسر بعض جنودها، مضافا الى ذلك ان المزاج الامريكي العام لا يمكن ان يقبل خوض حرب ثالثة بعد العراق وافغانستان وليبيا يمكن ان تستنزف قدراته المالية، في وقت تعاني البلاد من ازمة اقتصادية حادة.
الادارة الامريكية الحالية التي يتطلع رئيسها اوباما الى الفوز بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، لا تريد الاقدام على اي مغامرة عسكرية او سياسية يمكن ان تكلفه غاليا في هذا الصدد، وهذا ما يفسر تملقه المخجل للوبي اليهودي الاسبوع الماضي، واستجداءه لتأييده بالحديث عن قداسة الامن الاسرائيلي واعتباره جزءا من الامن الامريكي.
الاحتمال الافتراضي الثاني المتعلق بإيران يمكن تلخيصه بالتكهن بأن الادارة الامريكية ربما تكون رحّلت التدخل في الشأن السوري عسكريا ريثما تقرر كيفية التعاطي مع الملف الايراني، فإذا ارادت توجيه ضربات لتدمير المنشآت النووية الايرانية بعد الانتخابات الرئاسية، فربما تكون سورية جزءا من هذه الحزمة، بحيث تشمل الضربات ايضا حلفاء ايران في المنطقة مثل حزب الله وحركة حماس الى جانب سورية.
الهجوم الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة كان مجرد ‘بروفة’ في هذا الاطار لاختبار ‘القبة الحديدية’ الاسرائيلية المضادة للصواريخ ومدى فاعليتها، خاصة في حال فتح ‘حزب الله’ مخازنه واطلق صواريخها بالآلاف على تل ابيب وما بعد تل ابيب.
‘ ‘ ‘
وما يعزز الاحتمال الثاني الموقف الذي اعلن عنه السيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي، وهو دراسة امكانية انشاء منطقة عازلة لاستيعاب اللاجئين السوريين، وسحب السفير التركي من دمشق، ومطالبته الرعايا الاتراك بمغادرة سورية فورا.
اقامة منطقة عازلة داخل الاراضي السورية ستفسر في دمشق على انها ‘اعلان حرب’ وليست خطوة انسانية، فسورية التي استقبلت مليونا ونصف مليون عراقي في ذروة الحرب الاهلية العراقية وما رافقها من تفجيرات عام 2006 لم تقم مثل هذه المنطقة، وكذلك فعل الاردن بالنسبة الى اللاجئين العراقيين، ويفعل حاليا بالنسبة الى اللاجئين السوريين.
السيد اردوغان اطلق تصريحات كثيرة بشأن الملف السوري تضمنت مواقف شرسة، بل ومطالبات بإطاحة النظام، ولكنها ظلت في هذا الاطار طوال الاشهر العشرة الماضية، ولا نعرف كم ستستغرق دراسته لمسألة اقامة هذه المناطق العازلة، وما اذا كان سيتخذها او سيعلن عن نتائجها اثناء اجتماع اصدقاء سورية في الثاني من نيسان (ابريل) المقبل في اسطنبول.
لا احد يستطيع ان يتنبأ بالمستقبل، ولا نملك بلورة سحرية، ولكن ما نستطيع قوله ان الشعب السوري يتعرض لعملية تضليل غير مسبوقة من قبل من يدعون انهم اصدقاؤه، وقادة معارضته، فقد امّلوه كثيرا بالتعويل على التدخل العسكري الخارجي، خاصة من قبل الولايات المتحدة الامريكية، وبدعم من حلفائها العرب، لتأتي النتائج مخيبة للآمال. ولعل الانقسامات المتفاقمة في صفوف المعارضة، واتهامات ‘التخوين’ و’العمالة’ المتبادلة، والانشقاقات المعلنة، تلخص الموقف بكل صراحة ووضوح.
انها ‘لعبة امم’ جديدة تدور في منطقتنا حيث تتصارع الفيلة من اجل النفط وعوائده واقتسام مناطق النفوذ، ونحن العرب ضحاياها، نقولها وفي الحلق مرارة.
القدس العربي