إيران :صفقة قادمة أو ضربة محتملة …!!!
26 أغسطس, 2012
ملفات خاصة
د.خالد ممدوح ألعزي / تعيش إيران أصعب أيامها بظل فقدانها لقوها التي تتمتع بها في العالم العربي وخاصة بظل الانتصار الذي يسجله الجيش السوري الحر على حليفها التقليدي، وخاصة بعد اعتقال إل 48 من مواطنيها في سورية بتاريخ 6 أب” أغسطس” 2012 من قبل الثوار، والتي حاولت إيران أظاهرهم بأنهم في زيارة خاصة للاماكن المقدس وفيما بعد اعترفت بان البعض منهم متقاعدين من صفوف الحرس الثوري الإيراني، مما دفع بالدبلوماسية الإيرانية بين 7-8″اب” أغسطس بالتحرك نحو دول المنطقة في رفع صوتها عاليا بعد أن أضحت تحس بالخطر الحقيقي مما دفعها إلى عقد مؤتمر دولي للدول التي تؤثر بالملف السوري في طهران بتاريخ 9 أغسطس 2012 بظل غياب الدول الفاعلة في هذا الملف .
فكان الرد الأمريكي سريعا على الصوت الإيراني بإتهم حزب الله وفيلق القد س بمشاركتهم الميدانية بقمع وقتل المتظاهرين السوريين ووضعهم على لائحة الإرهاب والعقوبات الاقتصادية،حسب تعبير وزير الخزينة الأميركية ديفيد كوهين في مقابلة مع تلفزيون العربية بتاريخ 11اغسطس 2012.
أمريكا وسياستها الفاشلة في الوطن العربي :
إذا كانت إيران تعتبر في الماضي حسب رأي المحلل الاستراتيجي رياض قهوجي بان الحرب التي خاضتها في لبنان بالواسطة هي انتصار سياسي لها وتدعيم لنفوذها الإقليمي الجديد في المنطقة أما اليوم لا ،وكانت نقطة في الحرب ضد الرئيس السابق بوش لأنها سعت إلى:
1-نجحت إيران بجر أمريكا وإسرائيل إلى مستنقع لبنان من خلال مواجهات دموية مع حزب الله اللبناني الذي يخوض الحرب عنها في لبنان،إضافة إلى مستنقعات بوش الدموية في العراق وأفغانستان .
2-استطاعت إيران خلق حالة من الفوضى في منطقة الشرق الأوسط بمساعدة إسرائيلية ،لكي تتمكن إيران من الاعتراف الرسمي بها كونها لعب إقليمي في منطقة الشرق الأوسط وذات نفوذ وقوة وهي اللاعب الأقوى في الصراع الدائر ، وبالتالي انتزاع دور ريادي لضبط القوى .
3-الإخفاق الأمريكي العلني في السيطرة على مشروعها النووي .
بهذا الشكل تكون إيران قد امتلكت ثلاثة ملفات حيوية وقوية وضعتها بيدها لتضعها على طاولة التفاوض مع أمريكا والغرب “العراق أفغانستان العراق + غزة وجنوب لبنان +المشروع النووي = القوة الإيرانية في التفاوض مع الغرب .
هذا الحق السياسي التي منحته إيران لنفسها للسيطرة على الشرق الأوسط من خلال الحرب المفتوحة التي تؤهل إيران في إن تكون مفاوض قوي مع أمريكا لم يعجب الغرب نهائيا .إيران كانت المفاوض عن حزب الله في حرب 2006 في عملية الانتقام المنظم ،و في غزة 2009 في عملية الشتاء الصيفي .
أمام هذا الصعود المتنامي لإيران الدولة المحورية التي دخلت على العالم العربي من خلال الاستفراد بالأقليات الشيعية التي تم استخدامها من اجل مشروعها وربطها بإيران الثورة ،والأقلية السنية والقومية التي ترى بان تحرير فلسطين لا يتم إلا على أيادي الملالي الإيرانية وبالتي إيران سخرت القضية الفلسطينية لخدمة مشروعها القومي الشوفيني ،ولكون القضية الفلسطينية هي الخاصرة الميتة لكل الشعب العربية تم السكوت على المشروع الفارسي الذي بدأ بتنامي على حساب المشروع العربي الغارق في الغيبوبة الدائمة .
الدور الفرنسي :
الغرب وأمريكا كان الخاسر الأول سياسيا، ولم يستطيع السيطرة على المنطقة التي يتورط فيها عسكريا ولا القضاء على الإرهاب الذي دخل في تحالف أممي كبير ضده ،ولم تستطع أمريكا بشخص وزيرة خارجيتها كونداليز رايس من بناء شرق أوسط جديد يصهر كل القوى المتخاصمة في مشروع اقتصادي سياسي كبير ،لقد عبرت رايس في إحدى مقابلاتها بان المعركة التي تدور رحاها في لبنان هي مخاض جديد لبناء شرق أوسط جديد.
الخلاف الذي وقع بين أمريكا وأوروبا العجوز ومعها فرنسا كانت تنعي كل الأحلام والأحلاف التي أسستها أمريكا لحماية إسرائيل ووقوفها ورائها من خلال التنفيذ الإيراني.
فكانت أمريكا تعي جيدا بأنها فشلت عسكريا ودخلت في مغازلة لإيران من خلال استخدام قوتها ونفوذها في المنطقة التي ساعدت أمريكا على احتلال العراق وأفغانستان ، وكان التوجه للضغط على سورية .
لكن الخلاف الفرنسي “الأوروبي ” الأمريكي مع سياسة بوش في تعامله مع مشاكل المنطقة وخاصة أثناء غزو العراق ساهم بطريقة مميزة في التفرد الفرنسي باتخاذ مواقف علنية ومواجه لفصل لبنان سياسيا وفلسطين عن حالة الصراع مع إيران ، بعد أن كانت أمريكا تقدم فيه لبنان لسورية ،ومحاولة حل الأزمة اللبنانية نهائيا ومن الجذور إلى إن جاءت عملية اغتيال الشهيد رفيق الحريري في العام 2005 .استطاع جاك شيراك بمساعدة المجتمع الدولي إخراج سورية من لبنان .
الفشل العسكري الممتد لبوش في منطقة الشرق الأوسط تبعه فشل أخر في أوروبا الشرقية من خلال هزيمة الثورات الملونة الدائرة في الفلك الروسي ونشر الديمقراطيات المنقولة وتحريك المشاكل الداخلية كأننا في حرب عالمية رابعة من نوع جديد فالفشل امتد من أوكرانيا حتى لبنان ،مما ساهم بتزايد الصراع الجيو-سياسي على المنطقة بين الروس والأمريكان .
الحفاظ على سورية في الماضي :
لكن الإستراتيجية الأمريكية كانت لها بدائل أخرى ابتدأت بسورية التي تم تحييدها من الصراع وخاصة في الحروب الإسرائيلية الإيرانية ،والسبب في التوجه الأمريكي هذا يعود إلى :
1-عدم إيجاد بديل لنظام الأسد في سورية .
2- عدم الدخول في حرب مع سورية وخاصة بان أمريكا وجيشها متواجدان في العراق ولم تحسم جبهة العراق وبالتالي لا داعي لجبهة أخرى .
3- السبب الأساسي إبقاء إسرائيل في حالة اللا حرب هو الاحتفاظ بالجولان السورية .
سورية التي اعتمدت دوما في حربها مع إسرائيل على التوازنات السياسية من خلال الاحتفاظ بمقاتلي حماس وحزب الله اللبناني من اجل المفاوضات مع أمريكا، لكن إسرائيل نجحت بإنهاء التهديد العسكري من قبل حزب الله وهذا يعني سحب الورقة من يد السوري بنشر قوات الطوارئ الدولية شمال الليطاني مما دفع بحزب الله التوجه نحو الداخل اللبناني وليس الخارج.
لم تستطع سورية أن تكون لاعبا قويا في أي مفاوضات قادمة مع إسرائيل بعد أن سحبت من يدها الورقة العسكرية ولا يمكنها الدخول بمعركة عسكرية مباشرة مع إسرائيل من اجل التفاوض مجددا على مستقبل الخارطة السياسية للمنطقة …
طبعا مع انتهاء العمل العسكري المقاوم في لبنان حاولت سورية التعويض عنه من خلال محاولتها رسم الخريطة السياسية الدولية للمنطقة وبان تكون لاعبا جديدا أساسيا في المنطقة في استخدامها لورقة القاعدة التي باتت تهدد فيها إسرائيل والغرب المتواجد في العراق ولبنان وقوات الطوارئ المنتشرة في لبنان ،والتأثير مجدداُ على مجرى السياسة العامة بكونها لاعبا أساسيا في المعادلة اللبنانية التي يحميها المجتمع الدولي من خلال حلفائها الدائمين
لكن حزب الله الذي سجل انتصارا عسكريا على إسرائيل بصموده البطولي في حرب 2006 لا يعني بأنه سجل انتصارا سياسيا ،لان إسرائيل استطاعت ضرب البنية التحتية للحزب والدولة اللبنانية التي ساهمت وساعدت بتوسيع الهوة في لبنان والتي أثرت على عملية النهوض المستقبلية للحزب ولعب دورا مميزا قبل 12 تموز 2012.
وبالتالي فإن الحزب دخل في معارك الزواريب والحصص والخلافات الداخلية والانشقاق العمودي. من خلال استعمال سلاح الحزب ضد الشعب اللبناني مما جعل الحزب والسلاح سببا في أزمة مستعصية وليس جزء من حل …فكانت الغلبة للسلاح الذي أضحى العائق بوجه إي حل لبناني ولكون هذا السلاح أضحى سلاحا ذات مهمات خارجية وتفاوضية لفرض شروط وتحصيل مكاسب لصالح حاملي السلاح…
لكن اليوم اختلف الحال والتعاطي مع إيران التي تم تجريدها من كل الأوراق الأساسية التي كانت تمانع وتقاوم من خلالها وهي ألان لا تتعدى حدود عاصمتها طهران .
سقطت الممانعة ومحورها بسبب الربيع العربي وثورات شعوبه التي وضعت سورية وإيران في مهب العاصفة .
انتهى عهد الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية التي كانت إيران تستخدمهم لفظيا لكسب ود الجماهير العربية لكونها هي المنقذ والمحرر لفلسطين وشعبها .
لم تولد الثورات العربية من رحم الثورة الإيرانية التي كانت بعيدة جدا عنها وعن استراتيجياتها بالرغم من تهليلها الأولي لها وإعطاء هذه الثورات صبغة إيرانية .
اعتلت الأنظمة في دول الربيع العربي أحزاب إسلامية لا تمت بصلة للثورة الإيرانية .
تغير الرؤى والاحلاف :
استطاع العرب سحب مشاريع كثيرة من يد إيران من خلال إبرام تحالفات وفي تدوير زوايا سياسية كبرى “سحبت البحرين ولم تنجح إيران من السيطرة عليها ،فشل المشروع الحوثي والحراك الجنوبي في اليمن .ولم تكن الثورات في تونس وليبيا ومصر واليمن حليفا للملالي الإيرانية .
خرجت حماس من طوق الممانعة وأي ممانعة دون فلسطين وقضيتها ،التحول في الموقف الخليجي والعربي وتحديدا في التعاطي مع الأزمة السورية التي أضحت إيران شريك في الإجرام ألأسدي ، التغيير التدريجي في المواقف العراقية بعد أن كانت إيران ترى نفسها القوة الأساسية في العراق الجديد من خلال نور المالكي ،والتي أضحت أمام مواجهه بطريقة جديدة في العراق بعد ان كان ميزان القوى لصالحها أبان الاحتلال الأمريكي للعراق والتواجد العسكري التي كانت إيران تشكل تهديدا مباشرا للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان من خلال استخدام القاعدة والتحالف معها في حربها ضد الأمريكي والغرب .
التحول في المواقف القطرية والتركية والسعودية لتدخل مراحل التصعيد والمواجه العلنية .
تعرض حلف إيران لأكبر هزة سياسية وفكرية منذ نجاح الثورة الإيرانية ودخولها في الحرب العراقية الإيرانية الثورة السورية التي باتت تهديدا رسميا لإيران وسياستها التوسعية في المنطقة العربية.
اليوم الحالة السورية تشكل عبئا كبيرا على إيران من خلال تصرفات الأسد ومشاركتها في التغطية التي ستعرض علاقتها المستقبلية مع الشعب السوري بالرغم من الصمود الاصطناعي الذي يبديه الأسد مدعوما من إيران والصين وروسيا ،
الحالة العامة تتسع لإنهاء نظام الأسد والذي عبر عنه اجتماع أصدقاء الشعب في باريس بتاريخ 6 تموز يوليو 2012 والذي ضم أكثر من 100 دولة تؤيد التغيير
سورية لم يعد بمقدورها الدخول في مواجهه عسكرية مع إسرائيل لقلب الطاولة رأسا على عقب بسبب الحالة التي تعيشها ، ولان الضربة العسكرية الإسرائيلية سوف تكون قاسية ومكلفة جدا ولن تتلقى عطفا عربيا ولا شعبيا بظل الممارسات التي يقوم بها جيش الأسد وعصاباته .
إن كل هذا الاستعراض لأحوال المنطقة تبقى إيران في عين العاصفة هي وبرنامجها النووي التي تماطل في التفاوض عليه بالرغم من العقوبات الاقتصادية المتتالية والتي تفرض على نظامها وسياسييها ونظامها العسكري والاقتصادي والمصرفي والنقدي والنفطي تضيق الفرص بإيران يوميا بعد فقدانها لكل قدراتها وملفاتها التي كانت تتحكم فيها وتهدد بها العالم والخليج العربي من خلال أدرعها الممتدة بواسطة خلايا حزب الله النائمة في دول الخليج وتشن اليوم حملة خليجية كبرى ضد مناصري الحزب في الخليج وإفريقيا . إضافة لتضاؤل قدرات الحزب في الدخول في معركة مواجهة مع إسرائيلي التي تنتظر بدورها أخطاءه لتشن اكبر حملة عليه بظل الانقسام اللبناني الداخلي والأزمة السورية التي تمنع من وصول تجهيزات مالية وعسكرية للحزب.
إيران في معركة جديدة :
اليوم إيران تواجه حصارا عسكريا أمريكيا واقتصاديا فالمعركة إذا على أبواب طهران وليست بعيدة عنها كما في السابق فاليوم إيران تهدد بإغلاق خليج هرموز بحال تعرضت لعملية عسكرية كبيرة أو كما تدعي إذا تعرضت مصالحها للخطر فهل العالم كله سيقف مكتوف الأيدي إذا تعرضت إيران لنقلات النفط في الخليج الذي يؤمن 40% من صادرات العالم …وهل روسيا ستكون مرتاحة على تهور إيران …إيران محاصرة والعدو في عقر دارها والعالم كله ينتظر انتهاء الثورة السورية لان الهدف القادم هو إيران والخلاف الروسي الأمريكي أساسه إيران وليس سورية او قاعدتها العسكرية طرطوس ،لان الحالة الشعبية في إيران تهدد بالانفجار بسبب الأوضاع التي تعيشها إيران وشعبها الغاضب من حكم الملا لي والحرس الثوري …لكن اليوم نحن أما تسوية تاريخية تستطيع البراغماتية الإيرانية من التوصل إليها في المفاوضات الإيرانية الغربية حول الملف النووي ,,,التغيير حاصل وإيران تدرك فعليا وللأسد أضحى بديل وإيران لم تعد قادرة على خوض الصراع مع العالم والتغليف بالعباءة الفلسطينية التي سوف تشليحها اليوم لمصلحة معركة جديدة سوف تخوضها إيران في معركة جديدة اسمها حماية الأقلية في العالم العربي والإسلامي لأنها ذات تركيبة أقلوية ،وسوف تلعب موسكو دورا رياديا جديدا في دعم هذا التوجه من خلال الحماية الفعلية لإيران …
نقلا عن جريدة الرواد اللبنانية بتاريخ 21 أب أغسطس 2012 العدد64 الصفحة14
كاتب وباحث في الإعلام السياسي والدعاية .