WhatsApp Image 2025 10 09 at 11.02.09 PM أوكرانيا

نوبل للسلام في زمن الإبادة : أي ضمير هذا؟

د. ياسمين عليان _ أستاذ علم النفس التربوي

في الوقت الذي تُعلن فيه الأسماء المرشحة لجائزة نوبل للسلام، تشتعل في غزة نارٌ تلتهم الحجر والبشر، وتُطفأ معها أرواح لم تكتمل أحلامها بعد. تتكرر المشاهد، لكن الأشد إيلاماً هو أن تتزامن الإبادة مع الاحتفاء بالسلام. هنا تتكوّن فجوة نفسية عميقة، لا بين الشعوب فحسب، بل داخل الضمير الإنساني ذاته. من منظور علم النفس التربوي، نحن أمام انهيار في المنظومة القيمية العالمية؛ فحين يُكافأ السلام في زمن الحرب، يتعلم الجيل الصغير درسًا مشوهًا: أن القيمة لا ترتبط بالفعل، وأن العدالة يمكن أن تُختزل في جائزة، وأن الصمت يمكن أن يُمرر باسم “الحياد”. وهذا أخطر ما يمكن أن يُربّى عليه الإنسان: تطبيع التناقض الأخلاقي حتى يغدو مألوفًا. في التحليل النفسي، يُسمى هذا التناقض “تنافرًا معرفيًا”: أي أن يحمل الفرد فكرتين متعارضتين ويقنع نفسه بصدق كلتيهما. العالم اليوم يمارس هذا التنافر في صورته الجمعية؛ يدعي البحث عن السلام بينما يتعايش مع مشاهد الحرب كجزءٍ من المشهد اليومي. هذه الازدواجية لا تدمّر الضمير العالمي فحسب، بل تُربي أجيالًا تعتاد رؤية الألم دون حراك، وتتعلم أن التعاطف شعورٌ مؤقت لا يستدعي الفعل. هكذا يمارس العالم ازدواجيته بمهارة مؤلمة: يصفق للسلام ، ويصمت عن الحرب .لقد أصبحنا نعيش حالة من “التبلّد العاطفي الجمعي”؛ مشاعرنا استُهلكت بالصدمات المتكررة حتى فقدت حسها الطبيعي. لم نعد نغضب كما يجب، ولا نحزن كما يليق. لقد أدمن الضمير الإنساني آلية “الإنكار” كوسيلة دفاع نفسي، فيتجاهل المأساة حتى لا ينهار أمام ثقلها. وهكذا، بدلاً من أن نواجه الحقيقة، نوزع جوائز باسمها.إن الإبادة ليست حدثا سياسيًا فحسب، بل صدمة نفسية ممتدة، تُعيد تشكيل الوعي الجمعي وتترك أثرًا عميقًا في البنية التربوية للإنسان. فالأطفال الذين يشهدون هذا العالم المنقسم بين متفرج ومحتفل، بين ضحية ومكرَم، سيكبرون وهم يعيشون تشوهًا في المفاهيم: كيف نعلمهم السلام بينما يرون العدوان يكافأ بالصمت؟ كيف نغرس فيهم الإيمان بالإنسانية بينما يرون العالم يحتفل بها نظريًا وينكرها فعليًا؟ إن ما نحتاجه ليس جائزة تحمل اسم السلام، بل تربية نفسية جديدة تعيد للضمير الإنساني قدرته على الإحساس. سلامٌ لا يقوم على الشعارات، بل على الوعي والاعتراف والقدرة على المواجهة. علينا أن نعيد بناء المفاهيم داخل النفس البشرية قبل أن نحلم ببنائها في السياسة. فالترشيح لجائزة نوبل للسلام اليوم يبدو كأنه محاولة: رمزية لإقناع الذات البشرية بأنها مازالت إنسانية، بينما الحقيقة أن العالم يمارس نوعا من “الإسقاط النفسي”؛ يجمل صورته عبر منح الألقاب ويتجاهل ظله المظلم الذي يشارك بصمته في استمرار العنف.السلام الحقيقي يبدأ من إصلاح البنية النفسية للأفراد والمجتمعات، من إعادة تربية الضمير على الإنصات للألم بدل الهروب منه. أما نوبل، فقد تحولت في هذا السياق إلى مرآة تكشف عمق الخلل أكثر مما تجمّله؛ فالجوائز لا تصنع السلام، ويظل السؤال قائمًا: أيّ ضميرٍ هذا الذي يكرّم السلام في زمن الإبادة؟؟؟ هل هو ضميرٌ حيّ يعي معاناة الإنسانية، أم هو ضميرٌ يحتاج إلى علاجٍ طويل وجلسة وعيٍ جماعية تستعيد حسه الإنساني المفقود؟؟؟ قبل أن يُمنح أي وسام أو جائزة..

شاهد أيضاً

%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D9%88%D9%82%D9%8A أوكرانيا

أوكرانيا وسر تحول ترامب المفاجئ بإستئناف الدعم

كتب محمد العروقي رئيس تحرير موقع أوكرانيا / تتجه الانظار اليوم لما سيتحدث به الرئيس …